القطبيون.. التكفير باسم «أهل السنة والجماعة»

نشطت جماعة «القطبيين» بعد ثورة 25 يناير، إثر خروج قياداتها التاريخية والجديدة من سراديب دعوتهم، التى أجبرتها الأجهزة الأمنية على دخولها، بعد حملات أمنية شرسة ضربت الجماعة، مطلع التسعينات من القرن الفائت، وألقت بقياداتها وكوادرها تحت أقبية السجون لعدة سنوات، لتختفى الجماعة من المشهد السياسى والدعوى بعدها، ثم تظهر مجدداً بعد الثورة.

تأسست الجماعة عام 1975 على يد الشيخ عبدالمجيد الشاذلى، الذى كان مازال خارجاً من سجنه، ضمن آخر فوج أُفرج عنه، ممن اعتقلوا عام 1965، ومعه عدد من رفاقه المعتقلين، أمثال الشيخ محمد المأمون زكريا ومصطفى الخضيرى وآخرون وأطلقوا على جماعتهم حينها «دعوة أهل السنة والجماعة» التى اشتهرت وقتها إعلامياً بـ«القطبيين» لأنها امتداد فكرى وتنظيمى مباشر لمدرسة سيد قطب.

وكان «الشاذلى» العضو الثامن فى جماعة سرية، تكونت عام 1965، بعد خروج كل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من السجون، على يد تاجر الغلال الدمياطى عبدالفتاح إسماعيل، الذى تشبع بأفكار سيد قطب، وحاول بعدها العمل على إعادة تنظيم الإخوان المسلمين، لكن على أساس الأفكار الجديدة التى أنتجها قطب، على اعتبار أنها تبنى على أفكار مؤسس الجماعة حسن البنا ولا تتقاطع معها.

وقع التنظيم فى يد المخابرات المصرية، وسجن عبدالفتاح والشاذلى فى قضية 65 الشهيرة بالعمل على قلب نظام الحكم واغتيال الرئيس جمال عبدالناصر ونسف القناطر الخيرية وغيرها من الاتهامات.

وفى هذه الأثناء تبلورت أفكار التنظيم وأضحت أكثر وضوحاً فى عقل أفرادها ووجدانهم، فالمجتمع الآن تتوافر فيه خصائص الجاهلية، ومن ثم يجب أن يحكم عليه بالكفر العام لا الخاص، والدول تقسم إلى دار إيمان ودار جاهلية، فدار الإيمان هى التى تقام فيها دولة الإسلام على منهاج النبوة، ويطبق بها شرع الله كما أنزل، ودار الجاهلية كما هو العالم اليوم، لم يدخل بعد فى حقيقة الإسلام، ورفضت هذه المجموعة العمل فى الحكومات الجاهلية، لكنهم رفضوا ما ذهب إليه شكرى مصطفى ومجموعته من ادعائه أن أفكار قطب تعنى أن المجتمع بات كافراً كما كانت المجتمعات قبل البعث.

واختلفت هذه المجموعة مع القيادات الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين، على رأسها مرشدها حسن الهضيبى، رافضة كتابه «دعاة لا قضاة»، الذى حذر فيه من أفكار التكفير والجاهلية، متجاهلاً تماماً الأفكار التى طرحها سيد قطب.

وأعدم إسماعيل، وكانت الأشغال الشاقة المؤبدة من نصيب الشاذلى، إلا أنه قضى منها 10 سنوات، وبقى فى السجن الحربى، فما زاده السجن والتعذيب إلا تشدداً فى أفكاره وإصراراً عليها.

وبعد تأسيس الشاذلى جماعته، صنفت فى مقرات أمن الدولة على أنها جماعة «تكفيرية متطرفة» ووضعت تحت المراقبة الأمنية وتعرض أعضاؤها للاعتقال فى عام 1981، بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، ثم تحولت بعد ذلك للعمل السرى، خاصة بعد تصاعد العمليات الإرهابية ضد النظام السابق مطلع التسعينات من القرن الفائت.

وعاد الشيخ الشاذلى لمنزله بالإسكندرية تحت الحصار الأمنى، وبات فى وضعية تشبه «تحديد الإقامة» بسبب النظام الذى لا يرى الشيخ شرعيته، ويدعو من آن لآخر لإسقاطه بحجة أنه من الأنظمة العلمانية، وبعد ثورة يناير عادت الجماعة بقوة للظهور وبدأت توزيع بياناتها بعد أن اختفت عن الأنظار لعقود.

وبصفة عامة فإن القطبيين عددهم صغير، ومعدل التجنيد لديهم يعد بطيئاً جداً، وذلك كله يعكس الخلل فى تكتيكات الجماعة، ورغم أنهم بدأوا مسيرتهم الدعوية فى نفس الوقت الذى بدأ فيه الإخوان فى منتصف السبعينات، فإن عدد القطبيين الآن لا يزيد على عشرين ألفاً، بينما ربما يزيد عدد الإخوان المسلمين الآن على مليون، كما يلاحظ أن القطبيين ليس لهم نشاط فى الجامعات ولا المعاهد ولا النقابات بعكس كل من الإخوان والسلفيين والجهاد والجماعة الإسلامية سابقاً، وهذا أيضاً يعد من مظاهر الخلل فى أساليب عمل جماعة القطبيين.

ورغم ذلك كله فإن التيار القطبى مازال تياراً مؤثراً وموجوداً فى معظم دول العالم خاصة العالم العربى، لكنهم فى كل مكان لهم نفس الخصائص الموجودة فيهم فى مصر، من حيث البطء وعدم الفاعلية، وأدى ذلك فى بعض الحالات إلى تململ عناصر فاعلة داخل الجماعة والانشقاق عليها مللاً من جمود المنهج الحركى للجماعة.

ويقول جهاد نور، وهو أحد أبرز قيادات الجماعة لـ «الوطن»: «عندما نقول إن المجتمع جاهلى فلا يعنى ذلك أننا نكفره، هذا مفهوم خطأ، لأن التكفير لا بد أن يكون منضبطاً بالضوابط الشرعية، وسيد قطب كان يبين ضوابط الجاهلية فقط، مثل حكم الجاهلية، حمية الجاهلية، ظن الجاهلية، تبرج الجاهلية»، ويشير «نور» إلى أن جماعات التكفير فهمت أن أوصاف قطب تنزل على أفراد المجتمع فتكفرهم عينياً، وبعض التيارات السلفية تتهمنا بأننا نكفر المجتمع وكلا الاتجاهين خاطئ، لافتاً إلى أنهم يعتبرون الناس مسلمين حتى وإن سيطرت الجاهلية على المجتمع إلا أن هذا الحكم لا ينزل على أعيان الناس، وأن سيد قطب كان يعرض للناس أوصاف الإيمان فيقول للناس: ادخلوا فيها، ويعرض أوصاف الجاهلية فيقول للناس: ابتعدوا عنها، ويوضح «نور» أن محمد قطب، شقيق سيد قطب، لم يكفر أشخاصاً بأعينهم، إلا قليلين مثل كمال أتاتورك.

وفى كتابه «سيد قطب»، هاجم مؤلفه المنظر القطبى، محمد قطب، جماعة الإخوان المسلمين، لأنه رأى أنهم انخرطوا فى المجتمع، حتى صاروا جزءاً منه، وقبلوا بآليات الديمقراطية، تاركين العزلة الشعورية، بينهم وبين المجتمع الذى من المفترض أنهم جاءوا لتغييره، وأنهم لم يلتزموا بمنهجية الصراع مع النظم الموجودة، وبدأت الجماعة تتأثر بفكر السلفية تأثراً بمنظرها الذى تأثر بالسلفية بسبب وجوده فى المملكة السعودية.

أما موقف هذه الجماعة من العمليات المسلحة ضد الجيش، فإنها ترفض العمل المسلح ولا ترفضه فى ذات الوقت، ويحكمون أيضاً على أفراد الجيش والشرطة بالكفر العام، لكنهم مع ذلك رفضوا العمل المسلح فى هذا التوقيت تحديداً، باعتباره قد يكون معوقاً لهم عن العمل الدعوى الذى يريدون انتشاره، بدلاً من العمل تحت راية الحاكم الكافر.