هل دخل القضاء معترك السياسة؟ وهل انتهت دولة القانون، لتبدأ دولة جديدة يتحكم فيها تنظيم سياسى؟ وهل باتت السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية فى صراع؟ أسئلة عديدة تطرح نفسها مع تواصل أزمة النائب العام وعزل قضاة المحكمة الدستورية، وفى ظل التظاهرات التى تطالب بسقوط دستور يقول رافضوه إنه يعبر عن فصيل سياسى وجاء لخدمته، فيما يدافع الموافقون عليه باعتباره خيار شعب استفتى عليه.
المستشارة تهانى الجبالى أحد أبرز القضاة الذين طالتهم يد العزل، التى وضعها تنظيم الإخوان فى قائمة العداء، تجيب عن هذه الأسئلة، وقالت إن أحداث العنف التى تحدث يومياً تؤكد وجود مخطط إخوانى للانقلاب على جهاز الأمن وإثارة غضب الرأى العام عليه، حتى يتمكنوا من أخونة الوزارة وإقامة دولة بوليسية جديدة.
* كيف استقبلت مشهد سحل المواطن «حمادة صابر» على شاشة التليفزيون؟
- ما حدث للمواطن الذى سحل وتجريد من ملابسه، يدل على أننا فى وطن مستباح عرضه، وهذه الواقعة تعتبر جريمة ولا يمكن أن تمر دون قصاص عادل، فالمشهد أدمى قلوب المصريين، وأعتقد أن ترويع وتخويف المتظاهرين بهدف عدم النزول مرة أخرى فى تظاهرات مناهضة للنظام الحالى، هو السبب وراء الواقعة، خاصة فى ظل وجود خطة ممنهجة لمنع المتظاهرين من النزول إلى الشوارع، بدليل حالات التحرش التى تحدث للفتيات بميدان التحرير.
* ما تقييمك لأداء وزارة الداخلية فى التعامل مع المتظاهرين؟
- أحداث العنف تؤكد أن هناك مخططاً إخوانياً للانقلاب على جهاز الأمن، وإثارة غضب الرأى العام عليه حتى يتمكنوا من أخونة الوزارة، وإقامة دولة بوليسية إخوانية جديدة مثلما حدث فى القضاء، وسبق أن حذرنا من أخونة وزارة الداخلية، والإخوان سيطروا بالفعل على وزارة الداخلية، ودمجوا عناصر إخوانية فى زى شرطة بين رجال الأمن لتنفيذ ما حدث أمام الاتحادية، واللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات الأسبق، صرح قبل ذلك بأن جماعة الإخوان المسلمين تمتلك تنظيماً سرياً مسلحاً، وأعتقد أن هذا التنظيم هو من نزل إلى محيط قصر الاتحادية واشتبك مع المعتصمين، وهدم خيامهم.
* كيف ترين دور النيابة العامة والنائب العام فى تحقيقات الاتحادية والمواطن المسحول؟
- تحقيق النيابة العامة فى واقعة سحل المتظاهر حمادة صابر اتسم بعدم الحيادية، ولابد من عودة النيابة لاستقلالها، فكيف تتجاهل النيابة مشهد اعتداء الأمن على المتظاهر، وتكتفى بأقواله التى أدلى بها تحت ضغط، ولابد أن يتحرر منصب النائب العام من العار الذى لحق بالقضاء، خاصة أن قضية النائب العام ليست شأناً قضائياً بل قضية تهم الوطن كله، لأن كل وكلاء النيابة العامة هم وكلاء للنائب العام، ولهم سلطة تحريك الدعوى الجنائية ضد أى مواطن.
الدستور متناقض.. والبطلان الدستورى لا يصححه أى استفتاء شعبى
* ما تعقيبك على مطالب أعضاء النيابة، بعودة النائب العام لمنصة القضاء؟
- لا أستطيع أن أدلى برأيى فى هذا الأمر، لأنه مرهون بإعمال قانون السلطة القضائية، ونفاذه أمام جهات التقاضى والمحاكم، اللجنة المختصة بشئون الأعضاء التى تنظر طعن النائب العام السابق، والطعون المقدمة ضد النائب العام الحالى، والمفترض أنها المسئولة وأنها ستتحدث طبقاً للقانون.
* ماذا لو أبطل قرار تعيين النائب العام الحالى، فهل معنى ذلك أن كل ما صدر عنه غير قانونى؟
- هذا أيضاً ستحدده دائرة شئون الأعضاء، وستحدد شرعية الإجراءات التى اتخذها من عدمها، فنحن لا نقدر أن ندلى فى شىء منظور أمام القضاء، ما يهمنا هو احترام دولة القانون، الحكم عنوان الحقيقة ومن يؤمن بدولة القانون، لا بد أن يعرف أن أحكام القضاء هى القول الفصل، وأن الطعن عليها يكون بالأساليب القانونية، لكن أن يدلى كل شخص بدلوه هو تفسخ لدولة القانون.
* هل ترى أنك ضحية دخول القضاء معترك الحياة السياسية خلال حكم المجلس العسكرى؟
- مطلقاً، القضاء لم يدخل فى الحياة السياسية، إلا لو كان هناك من ينتمى لحزب أو جماعة أو تنظيم، سواء كان انتماء علنياً أو سرياً، البعض انتشرت لهم صور أثناء دخولهم أو خروجهم من أبواب تنظيمات وأحزاب، لكن استقلال القاضى مرتبط بانفصاله عن أى جماعة سياسية، حين يعين بالقضاء لا بد أن يستقيل من حزبه، والقاضى لديه رؤية تجاه مجتمعه، ويطبق القانون من منظور ضمير القاضى الذى يعرف تأثير منطق العدالة فى تحقيق العدل على الأرض، لأنه يدرك أنه يواجه أوضاعاً اقتصادية، وسياسية، واجتماعية فى بلاده، فأنا لا أعتقد أن القضاء دخل معترك السياسة بمفهوم الاشتراك فى العمل السياسى، لكنه أجبر فى هذه المرحلة على أن يكون له رأى لحماية دولة القانون، واستقلال القضاء، وسيادة القانون وحرية الأفراد فى المجتمع.
* البعض أكد أن حديثك المتكرر فى وسائل الإعلام سبب الإطاحة بك من المحكمة الدستورية؟
- إبداء القاضى رأيه فى الشأن العام مقنن فى الاتفاقيات الدولية، وأنا لم أغادر حقى فى إبداء رأيى فى الشأن العام بدليل أنى كنت أكتب خلال النظام السابق مقالات كانت تنشر فى جريدة الأهرام، فى الإطار الدستورى للخصخصة، والأراضى المحررة من الألغام، ورأيى فى محنة عدم تعيين المرأة فى مجلس الدولة، ورددت على الأستاذ سلامة أحمد سلامة رحمه الله وهو من هو، وقلت له إنها ليست زوبعة فى فنجان، ونشرها وهو رئيس تحرير على الرغم من أن كثيرين يرفضون التعقيب عليهم، ونشر نصى بالكامل فى جريدة مصرية، فحديث القاضى عن الشأن العام هو حق للقاضى كمواطن، حق مستقر فى المواثيق الدولية الخاصة باستقلال القضاة والمحاماة، وفى العهد الدولى للحقوق السياسية والثقافية، الأمر الذى كان يخلط عمداً، فالبعض حين يختلف معى فى وجهة نظرى لا يحاجينى بالحجة، ويطالب بمنعى من الحديث لكونى قاضياً، وهو فى حد ذاته من المغالطات.
تهانى الجبالي تتحدث للوطن
* البعض يرى أن إبداء «القاضى» رأيه فى الشأن العام يشكك فى استقلاله وحيدته؟
- نحن لسنا طرفاً فى أى صراع، ولا ننتمى لأى جماعة أو تنظيم، ففكرة الحيدة متوافرة لعدم وجود مصلحة، فكرة تراجع المصلحة الشخصية يجعل كلمة الحق أقرب؛ لأن الاستقامة القانونية، والدستورية، والفكرية تبدو عندما تختفى المصلحة، لذلك فإن الآباء المؤسسين فى الدساتير فى العالم كله، يشترطون دائماً فى القانون المنظم للجمعية التأسيسية، أن أى عضو فيها لا يتبوأ منصباً تنفيذياً أو برلمانياً لمدة 5 سنوات، لكننا فى مصر يعينون وهم فى الجمعية التأسيسية، كل واحد يقول كلمتين «كويسين» نجده الصبح وزير أو نائب، وهذه رشاوى فى منهج القانون المستقيم، فمن يكتب دستوراً لا بد أن يستقل عن السلطة القائمة، وأتذكر حواراً دار بينى وبين أحد كبار القضاة فى العالم معروف عالمياً اسمه «آل بى سايكس»، كان يدافع عن الحقوق الشخصية ويحاور بالعنصرية وتعرض لمحاولة اغتيال على يد شاب أفريقى أسود وبترت ذراعه اليمنى، ذكر لى حواراً دار بينه وبين الذى حاول اغتياله أقنعه بأنه مخطئ واعترف الشاب بأنه حاول قتله لأنه أبيض اللون واعتذر له وطالبه بالدفاع عنه، وسألنى القاضى عندما أتى لزيارتى عقب ثورة يناير عن علمنا كقضاة بمخاطر المرحلة الانتقالية على الحريات، وهل سنشارك كقضاة فى إضاءة الرأى العام بشأن مستقبل مصر ليعرف الشعب، فأجبته بأن الحس التقليدى لقضاة مصر هو العزوف عن المشاركة فى إبداء الرأى فى الحياة العامة وقليل من القضاة، منهم يمارسون هذا الدور، فأنا لا أتبنى المنظور التقليدى لصورة القاضى الصامت، ولدىّ قناعة بالمشاركة ولكن زملائى يعتقدون أن القاضى يفقد مصداقيته عندما يتحدث، فقال لى «سايكس» إن القاضى الدستورى يفقد مصداقيته مرتين، الأولى حين يتحدث فى قضية معروضه أمامه، والثانية حينما تهدد دولة القانون، والحريات العامة ولا يتحدث، و نحن جزء لا يتجزأ من أمة أو شعب، ولدينا أيضاً من الخبرة التى اكتسبناها ولدينا من المهنية التى مارسناها، أفكار عن كيفية تطور الوضع الدستورى، والقانونى لنصبح دولة ديمقراطية، تتداول فيها السلطة سليماً، نظامها قابل للمحاسبة، يحترم حقوق الإنسان مقترنة بالضمانات الدستورية، وكيف يمكن حماية مقومات الدولة، إذا لم نكن فى لحظة يبنى فيها الوطن مستقبله الجديد، بالتأكيد سنكون نخون الأمانة، أنا مارست هذا الدور من شعورى بالمسئولية تجاه وطنى، فأنا لست من مؤيدى التزام القاضى الصمت، حتى قضاة المحكمة الدستورية العليا فى الولايات المتحدة الأمريكية العديد منهم يكتب بشكل دورى فى الصحف العالمية.
شعرت بالفخر لحظة خروجى من المحكمة.. وتقدمت بالطعن لـ«توثيق المرحلة المعيبة»
* تقدمتِ بطعن عقب إقصائك من الدستورية.. فما السبب؟
- أنا عضوة بهيئة فى المحكمة الدستورية العليا فعندما يحدث أى متغير على وضعى بشكل يحقق العزل كما حدث، فيحق لى اللجوء لدائرة الطلبات فى المحكمة، حيث تتحول المحكمة حينها لدائرة طلبات أعضاء فى هذه اللحظة، وتنظرها كدعوى أمامها، ولكن فى طلب أصلى بانعدام الشرعية الدستورية للوثيقة المسماة بجمهورية مصر العربية، استناداً للمادة 60 فى الإعلان الدستورى، أكدت فى ختامها: «وتصبح نافذة بموافقة الشعب عليها»، كلمة الشعب ليست كلمة هلامية، ففى المفهوم الدستورى كلمة الشعب تعنى كتلة الناخبين الذين لهم حق التصويت، لدينا 51 مليوناً لهم حق التصويت، من حضر الاستفتاء 17 مليوناً، وأكثر من 10 ملايين وافقوا، ونسبة من صوتوا بـ«لا» تجاوزت الـ 20% من كتلة الناخبين التى تسمى بـ«الشعب»، إذن أقلية هى التى صوتت بالموافقة على الاستفتاء وليس «50+1» بما يحقق الحد الأدنى من الأغلبية، لهذا السبب الأساسى الدستورى والقانونى بجوار المسار الدستورى المنحرف، بدءاً من أن الجمعية التأسيسية التى وضعت الوثيقة كان مطعوناً عليها بعدم الدستورية ولم تتربص حكم المحكمة الدستورية إنما حدث عدوان على قضاة المحكمة لمنعها من نظر الطعون، هناك عوار دستورى فى اغتصاب رئيس الجمهورية لسلطة إصدار إعلانات دستورية حصن فيها قراراته، ثم منح لنفسه سلطة إصدار إعلانات دستورية جديدة وما ترتب عليها فى إطار المسار الذى خرجت منه هذه الوثيقة، كل هذا انحراف فى المسار، إذا أضفنا إليه المشهد الدامى الذى عايشناه وحصار محكمة تاريخية، وهذا يمثل أول انقسام حقيقى فى الأمة المصرية تجاه وثيقة دستورية، وسالت الدماء من أجل هذا الانقسام على أبواب قصر الرئاسة، ثم ما حدث فى غياب الإشراف القضائى، حيث إن 93% من قضاة مصر اعتذروا عن عدم المشاركة فى الاستفتاء، إضافة إلى الخروقات التى سجلت، فيصبح المسار بالكامل محل نظر ومعيب.
* هل هذا يعنى أنه يمكن بطلان الدستور عقب الاستفتاء عليه؟
طبقاً للمستقر، لا يصحح البطلان الدستورى أى استفتاء، خاصة أن المحكمة نظرت قانوناً من القوانين سيئة السمعة اسمه قانون «حماية القيم من العيب»، خرج هذا القانون فى عهد الرئيس السادات، وكان من ضمن القوانين التى استفتى عليها شعبياً، ورغم ذلك فإن المحكمة قضت بعدم دستوريته، لأنه الاستفتاء لا يصحح البطلان، أنا قلت رأيى للتاريخ بصرف النظر عن نتيجة هذا الطعن؛ لأنى أعتبر ذلك واجبى كقاضٍ دستورى أن أوثق هذه المرحلة وأكتبها فى وثيقة رسمية، وسأحترم حكم المحكمة أياً كان، إلا إننى أعتبر أن هذه الوثيقة ستدرس فى كليات الحقوق فيما بعد لأن فيها حالة استثنائية، والطلب الاحتياطى مرتبط بفكرة العزل، عزل 7 من قضاة محكمة الدستورية العليا بنص انتقالى، خاصة أن الدستور يتمتع بوحدة عضوية، لا يوجد نص يعارض الثانى، فكيف للمشرع الدستورى أن يضمن الدستورر نصاً يقول القضاة مستقلين غير قابلين للعزل، ثم يقول فى نص آخر يعزل 7 من القضاة، ويطالبهم بالعودة إلى عملهم، خاصة أن النصوص الانتقالية تمثل تسنيداً لأوضاع قائمة لحين الوصول لأوضاع قادمة، وقلت 11 عضواً هؤلاء كان يمكن أن تصل لهم المحكمة من خلال الخروج على المعاش المتكرر، فى السنة يخرج 3 أو 4 غير المغتربين، فكان من الممكن أن يكون التصور أنه إذا غيرت عدد هيئة الحكم، النص الانتقالى يتحدث عن هيئة المحكمة أى أن هيئة الحكم كانوا 7 أعضاء، أصبحوا 11 عضواً، 10 إضافة إلى الرئيس، لكن السبعة الباقين سيحولون كاحتياطى للدائرة الأساسية، فلا يجوز أن يكون منهجك تطبيق العزل على قضاة موجودين على المنصة، يجعل النص نصاً معيباً وانتقامياً، لأن هنا شخصنة الدستور فى استهداف، والشعب اكتشف أنى رقم 12، فنبههم الدكتور تيمور فوزى رئيس هيئة النيابة الإدارية إلى أن قانون المحكمة يقول إن عدد الهيئة 7، وأنه لا بد أن يكون هناك 7 آخرين لأن هذه الهيئة يمكن أن تختصم أو ترد طبقاً لقانون المرافعات، وأنبههم إلى ضرورة أن يكون هناك هيئة أخرى تنظر الحكم، وإلا ستعطل حق التقاضى الخاص بالمواطن، فقال لهم لا بد أن يكونوا على الأقل 15 عضواً، فرفضوا ذلك، وبعضهم أفصح أن تهانى الجبالى رقم 12 وهنا ظهرت الشخصنة، وأعتبر أن الموضوع محزن، فلو كان الأمر استهدافاً لشخصى فأنا أقل من أن أعصف بالمحكمة الدستورية، خاصة أن المحكمة لديها كفاءات وخبرات لا تقدر بثمن من حملة الدكتوراة وممن شاركوا فى كتابة دساتير العالم، منهم الدكتور حسن البدراوى، الخبير المصرى الأول من منظمة «الويبو» المرتبطة بالملكية الفكرية وأحد الذين خرجوا بالعزل، بينما البقية من حملة الدكتوراة الذين لديهم خبرات متراكمة فى القضاء الدستورى، حتى فكرة تحديد العدد بنص دستورى أمر غريب، الأول كان العدد كافياً كان مطلقاً لجمعية عمومية يحدد طبقاً لحجم التقاضى لأنه بالآلاف، فهل قرأ المشرع الدستورى وهو يضع هذا النص طبيعة ما يحدث بالمحكمة وعدد القضايا التى تنظرها وطاقة القضاة، من أجل إزالة هذا التعارض بين النصين، وهذا ليس حرصاً منى على البقاء فى القضاء الدستورى، كلنا إلى زوال وكلنا مؤقتون، المسألة أكبر بكثير من شخصى المتواضع، فأنا عملت لأكثر من 10 سنوات بالقضاء الدستورى.
* تُتهمين بأن سوزان مبارك وراء تعيينك فى المحكمة الدستورية؟
- هذا كلام عارٍ من الصحة، وكان لى الشرف لأكون أول قاضية مصرية، وأن تختارنى الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا على الرغم من أنى كنت من المعارضين السياسيين ذوى الصوت المرتفع، وكنت عضو مجلس نقابة المحامين، الذى كان دوره معلوماً فى عهد السادات ومبارك. والجميع يعلم دورى كعضو قيادى فى أحد الأحزاب المعارضة. واختيار المحكمة لى تحدٍّ يثبت فى حد ذاته استقلالها، ورشحت من قبل الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية فى مواجهة ترشيحات عديدة لسيدات فضليات كانوا خبرات قانونية، لكن ربما بعضهم كانوا أقرب لنظام الحكم منى، وكان هدفى حماية حق المرأة المصرية فى تولى القضاء، لأن هذا الحق حمل فى عنقى فى لحظة اختيارى، ولم يكن لدىّ رفاهية الاختيار، والجميع يعلم عشقى لمهنة المحاماة التى كنت أزاولها باعتبارها مهنة العمر، ولم يكن سهلاً أن أترك مكتبى وشغلى والأموال التى أجنيها من خلف مهنة المحاماة بعد 30 سنة، ولكن شرف اختيارى من المحكمة الدستورية فى أعلى سلطة قضائية، وحق المرأة المصرية فى تولى القضاء عقب نضال 60 سنة، وعقب فشل محاولة الأستاذة الدكتورة عائشة راتب أن تكون مجرد مندوب بمجلس الدولة على الرغم من أنها كانت الأولى على دفعتها - كان فخراً لى.
كنت معارضة فى نظام مبارك.. والكلام عن تدخل«سوزان» لتعينى بـ«الدستورية» عارٍ تماماً عن الصحة
* كيف استقبلتِ خروجك من عضوية المحكمة الدستورية؟
- لحظة الخروج منحتنى فخاراً أيضاً، بأن أوثق لهذا المسار الدستورى المعيب بطعن مقدم للمحكمة الدستورية العليا الذى ليس لأحد من الشعب المصرى مصلحة سواى، المسألة تتجاوز قصة تشبثى بالمنصب بكثير، ففكرة المصداقية تأتى من خلال الاستقامة. وأرى أنى أديت واجبى بإيضاح الرؤية، والمشاركة فى بناء الوعى العام المدرك لمصلحته، حاولت مع كثيرين، نجحنا أو أخفقنا، فيكفى أننا حاولنا. ولا بد أن نعرف أن هذه المراحل ستقرأ ألف مرة من الباحثين، والمدققين، وكاتبى التاريخ، الذين سيكشفون دور كل شخص؛ أداءه، وما تحمله فى سبيل قضية وطنية عامة. ما أرخص الثمن الذى سندفعه مقابل الوطن ككل! فإذا كان الثمن هو مناصبنا وقوتنا وقوت أولادنا...
* هل ترين أن موقفك السياسى كان سبباً فى عزلك من المحكمة؟
- أذكر أن أول اشتباك حاد وقاطع لى، كان وضع الدستور فى قبضة البرلمان قبل أن أعرف حتى من الذى سيأتى بأغلبيته، قلت إن الدستور أولا وقبل بناء المؤسسات، وكنت أعلى الأصوات فى مواجهة اختيارات المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو اختيارات القوى السياسية أيا كانت، حيث كنت أرى أن هذه اللحظة التاريخية فى حياة الشعب المصرى لن تتكرر، فبعد الثورة الشعبية أصبحنا فى لحظة الحسم التى خرج فيها الرئيس السابق من المشهد السياسى، وظل الشعب المصرى متكاتفا وعلى قلب رجل واحد، وأن هذه اللحظة استثنائية فى حياة الشعوب بعيداً عن البحث عن الاتفاق أو الاختلاف أو توزيع الغنائم. فى هذه اللحظة كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يمثل سلطة مؤقتة بموجب الإعلان الأول الذى أتى به لإدارة شئون البلاد، فكنت أعتبر أن هذه اللحظة استثنائية لا يوجد بها ضغط سلطة قائمة أو رئيس يملى إرادة، لا يوجد بها ضغط أغلبية على حساب أقلية، ولذلك عندما اجتمعت اللجنة التى أجرت التعديلات الأولى، لجنة المستشار طارق البشرى، توليت بنفسى دعوة 46 شخصية من كبار الدستوريين فى مصر واجتمعنا بكلية الحقوق جامعة القاهرة، ووقعنا على وثيقة أرسلتها بنفسى عبر نجل المستشار طارق البشرى وطالبناه بإلحاح أن يكون انتخاب رئيس الجمهورية هو الأول، وأن الدستور لا يكون إلا عبر جمعية تأسيسية مختارة على ضوابط موضوعية تتولى إعداد دستور جديد للبلاد خلال الـ6 أشهر الأولى، على ضوئها تبنى المؤسسات الأخرى بالانتخاب، هذا موقف موثق تاريخيا. إذن فالأمر كان فى البداية محاولة للتفكير فيما يحقق المصلحة الوطنية، ليس لى مصلحة خاصة، وما أسهل لى أنى أذهب إلى مكتبى وأنعزل عن كل ما يحدث من حولى! لكنى اخترت الطريق الأصعب، وإن كنت دفعت الثمن فأنا أول من يرضى بهذا الثمن، لأن مصر أكبر من هذا بكثير.
* ما تعقيبك على تصريحات الرئيس بأن أحكام «الدستورية» كانت تخرج للعلن قبل الحكم، خاصة حل مجلس الشعب؟
- كان واضحاً جداً فى كل الحوارات التى سجلت معى حينما يمس الأمر مواقف معروضة على المحكمة كنت أمتنع عن الحديث، ولكن الأصل أن القاضى مواطن ومن حقه إبداء رأيه فى الشأن العام.
• ما تقييمك لأداء تيار الاستقلال عقب توليه معظم مقاليد الحكم؟
- الاستقلال قيمة تمارس على الأرض، لا يوجد تيار استقلال، كل القضاء تيار استقلال، وإلا لن يكون هناك قضاء، ولكن المواقف الفردية تفرز الناس، وخير الأقوال ما يصدقها العمل، فى النهاية مرهونة بالفعل، فعندما يملك قبضة الفعل ويمارس عكس ما يقوله، فسقط من دائرة الاستقلال فرد، لكن يبقى من الاستقلال عنوان القضاء المصرى كله، «مفيش حاجة اسمها تيار استقلال وآخر تيار التبعية»، أنا ضد هذه التسميات.
* كيف ترين قانون التظاهر الذى تسنه وزارة العدل؟
- بداية، هناك فرق بين تنظيم الحق وممارسة الحق ذاته، أى نص يضعه أى مشرع لا بد أن يتجنب هذه المحظورات الثلاثة، وهى أن يكون هذا التنظيم للحق لا يقيد ولا يعطل ولا يلغى، فلا يملك أحد أن ينتزع من الشعب المصرى حقه الذى سيمارسه.
* فى رأيك، ما سبب الإصرار على تسليم السلطة التشريعية لمجلس الشورى، خاصة أنه مشكوك فى شرعيته؟
- يسأل فى ذلك من منحه سلطة التشريع، فهذا المجلس الذى اختاره 7% من كتلة الناخبين، ويمثل فصيلاً سياسياً بعينه، وسيمارس دوراً تشريعياً، لم ينتخبه الشعب المصرى على هذا الأساس.
* هل هذا يعنى أن مجلس الشورى باطل، وما نتج عنه من قرارات باطلة أيضاً؟
- إذا ما قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القانون الذى انتخب على أساسه، فسيكون مصابه البطلان الدستورى، أما القرارات الناتجة عنه فهى أثر يحدده الحكم الدستورى نفسه، لكن المفارقة التى لا بد أن تقرأ قبل الحكم الدستورى أو القضائى، خاصة أنه فى طبيعة أى مرحلة انتقالية أن يحكمها حس سياسى مسئول وليس أحكاماً قضائية، والحس السياسى المسئول كان يقتضى أن يكون هناك تربص لقضاء المحكمة الدستورية لمعرفة إن كان هناك شرعية من عدمه، ولكن أن نختطف الشرعية بدعوى أننا سنضعه فى دستور جديد نمنحه صلاحيات دستورية لم تكن متاحة وقت اختياره، فيه تلاعب فى إرادة الشعب المصرى.