«المصريون بعد الثورة بلا أمراض نفسية»..توقعت من قبل انخفاض عدد المرضى النفسيين بعد الثورة مباشرة، ولكن هذا لم يحدث، فمن وجهة نظرك ما الأسباب التى أدت إلى زيادة عددهم؟
- مبدئياً، لقد أكدت أنه إذا استمر الشعب المصرى على أخلاق الـ18 يوما الأولى من الثورة، فإن ذلك سيحسن من الصحة النفسية للشعب المصرى، وهنا لابد أن نفرق ما بين المرض النفسى والصحة النفسية، لان المرض النفسى يحتاج إلى علاج طبى ونفسى وسلوكى، أما الصحة النفسية فهى موجودة عند كل الناس وليس لها علاقة بالمرض النفسى.
المرض النفسى مثل القلق، الاكتئاب، الفصام، الهذيان، الهوس، الذاتوية، وأمراض كثيرة جدا فى الطفولة والشيخوخة والنضج، أما بالنسبة للصحة النفسية فالأمر مختلف لأن منظمة الصحة العالمية لها مقولة شهيرة «إنه لا توجد صحة دون صحة نفسية» لأن تعريف الصحة هى جودة الحياة الجسدية والنفسية والاجتماعية، وليست الخلو من المرض».
ما مكونات الصحة النفسية؟
- الصحة النفسية لها أربعة مكونات، الأول: استطاعة الإنسان أن يتكيف مع ضغوط وكروب الحياة بطريقة يستطيع أن يدير الغضب فيها حتى لا يسقط مع أى صدمة يتعرض لها، ويكون لديه صمود ومرونة تساعده على الوقوف مرة أخرى ليستكمل حياته.
فى مصر الآن لا يطيق أى إنسان أى إنسان آخر وأصبحت العصبية العامل الأساسى فى حياة الإنسان المصرى، وبالتالى المكون الأساسى للصحة النفسية «زى الزفت دلوقتى».
ثانى هذه المكونات للصحة النفسية أن تكون توقعاتك متواكبة مع قدراتك وتكون عارف إذا كنت أنت كفء وأمين ومتقن العمل لازم توصل مفيش حد هييجى بالواسطة والمحسوبية وهى العدالة الاجتماعية. والشعب المصرى توقع أن الثورة ستكون حلا لكل المشاكل ولم يخرج سياسى واحد يؤكد لنا أننا أمامنا أربع سنين فى حالة قحط وعمل جاد حتى نستطيع الوقوف على أقدامنا وإنما قالوا الفلوس المهربة ستوزع على الشعب، وبالتالى فإن توقعات الشعب كلها أصبحت غير موجودة وأحبطت، وهذا المكون الثانى فى الصحة النفسية الذى اختفى من حياة المصريين.
المكون الثالث أن تعمل وتعطى بحب وكفاءة وتعطى بحب تجاوز الذات، أن نتجاوز أنفسنا فى سبيل هدف واحد هو مصر.. رابع مكون للصحة النفسية: أن يكون للإنسان فى وطنه قيمة وكرامة وحرية التعبير، والأبحاث أثبتت أن %30 من جودة حياة الناس بالرغم من الفقر والبطالة وكل شىء سيئ تأتى حريته الشخصية، %30 من الرضا والسعادة يعتمد على إحساس الإنسان بالديمقراطية اللى هى العدالة الاجتماعية، المساءلة، الشفافية، وكرامة المواطن، وقبول الرأى الآخر دى مش موجودة خالص.
وبالتالى لو نظرنا لمكونات الصحة النفسية فسنجد أن توقعاتى فى بداية الثورة كانت أن شباب الثورة سيستمرون فى مجموعتهم الأولى بدل التشرذم اللى حصل دلوقتى، 25 يناير كانت ملحمة أخلاقية للمواطن المصرى كان فيها تجاوز للذات عدم أنانية فيها التوحد مع الآخر، فيها الغنى مع الفقير، المسلم مع القبطى، فيها نوع من أنواع هدف كرامة المصرى ومن قامو بها لم يكونوا فى احتياج لشىء.
بناء على هذا قلت إن الأمراض النفسية ستقل لكن فيما بعد ركب الثورة تيارات مختلفة لهم أجندات مختلفة تهتم بالجماعة أو الحزب، والمعارضة ضمت عشرات الأحزاب، التيار الإسلامى أيضا انقسم لعشرات الأحزاب، هذه الشرذمة تؤثر على الصحة النفسية والتى إذا اختلت، فلا يجب علينا أن ننتظر عملا وإنتاجا.
تأثير الأحداث بعد الثورة على الصحة النفسية بشكل سلبى هل من الممكن أن يكون سببا فى زيادة أعداد المرضى النفسيين؟
- هو من المعروف أن الإحباط زاد، لأن كما أشرت فيما سبق، أن التوقعات لم تتماش مع القدرات بعد الثورة، وهذا الإحباط يزيد من حالات العنف والعدوان والانتحار والقلق والاكتئاب واللامبالاة هذه هى المضاعفات التى يمكن أن يحدثها الإحباط على الإنسان أو المواطن أو الشعب بأكمله.
أخشى ما أخشاه أن يحدث حنين للحكم السابق الذى بدا يزداد فى جموع الشعب بسبب غياب الأمن، وفى هذه الحالة يكون كل الشهداء اللى ماتوا راحوا هباء.
وما أخشاه أيضا هو القمع والاستبداد الدينى الذى يعد أسوا من القمع والاستبداد السياسى، لأن المستبد الدينى يتعامل على أنه منزل من عند الله، فانا أتخوف من يصل بنا الأمر بما كان يحدث فى أوروبا فى القرون الوسطى من محاكم التفتيش كان كل من يخرج عن تفكير الكنسية هو كافر ويعدم وكذلك محاكم التفتيش فى إسبانيا التى كانت تفتش فى نوايا الإيمان للناس وكان كل من يشك فى نيته الإيمانية.
فى رأيك كيف يمكن تحسين الوضع الحالى؟
- نحن نحتاج إلى اختيار مجموعة من الحكماء ليس لهم نية فى الترشح للانتخابات ولا مجلس شعب ولا شورى ولا رئاسة ولا وزارة لإجراء حوار بينهم فقط لإنقاذ البلد، لكن الوضع حاليا سيئ وكل مجموعة تكون حزبا حتى الحوار الوطنى.
وأنا أرى أن من سيقومون بالنهضة فى مصر غير موجودين الآن لازم السن يكون أقل، العالم كله بيحكمه ناس من 45 إلى 55 احنا بس اللى عندنا السن ده كيف يحكّم رجال تصلب فكرهم كما تصلبت شرايينهم نحن لا نريد وقت المحن قائدا نمطيه يسير بالطريقة المألوفة وإنما نريد قائدا ثوريا بعيدا عن الواقع والمألوف.
هل من الممكن أن تقود الأحداث الحالية لثورة ثانية أم تتوقع مزيدا من الإحباط؟
- الإحباط مازال يزيد، خاصة أن التوقعات بتاعة المواطن فيها خلل أن مفيش حد قام وقاله زى تشرشل أمامكم موت ودم وجوع وفقر حتى تنتهى الحرب، وبعد الحرب سنمر بهذه المرحلة دعنا نمت ونفرز الدم والعرق و نزلو حاربوا إلى أن تحطمت إنجلترا.
ما هو تفسيرك لحالات العنف والبلطجة والتحرش الموجودة فى مصر الآن؟
- مثلما تحدثنا عن وجود انفلات إعلامى وأخلاقى هناك انفلات أمنى، لأن عدم وجود هيبة للدولة والقضاء والشرطة أفرز مجموعات من الناس ترتكب أفعالا معينة لتحقيق نوع من اللذة الفورية والمصلحة الخاصة، ويمكن أن نقسم من ينتهج العنف الآن إلى ثلاث مجموعات، مجموعة من البلطجية والعاطلين ممن يقومون بعمليات نهب وسرقة، ومجموعة ثانية موجودة من الثوار لكن عادة العنف عندهم لا يظهر إلا إذا اعتدى عليهم، كما حدث عند الاتحادية كان هناك مجموعة من المعتصمين السلميين ولكن بعد أن تم الاعتداء عليهم استخدموا العنف، وفى مجموعة موجودة لاشك من مصلحتها وجود فوضى ممكن تكون ممولة من جهات أجنبية.
كيف نعيد للشعب ثقته فى الثورة؟
- لكى تعود الثقة للشعب لازم نعرف إن مفيش فئة واحدة تستطيع حكم مصر هنا ستتغير الصحة النفسية سنجد عملا وحماسا وتضحية، لكن الآن لا يوجد أحد يعمل من أجل البلد أصبح الإعلاميون يهمهم الإعلام، الألتراس يهمهم فرقهم، الإخوان يهمهم الجماعة، جبهة الإنقاذ يهمها المعارضة، ولذلك غالبية الشعب يسكن مصر ولكن ليس مصريا ولاؤه وانتماؤه ليس لمصر، فالانتماء له معادلة نفسية لكى يتحقق يجب على الوطن أن يوفر لى الطعام والشراب ومسكنا آمنا، بعد هذا كله يأتى الانتماء سواء للدين أو للوطن، لذلك المعظم لا ينتمى لمصر لانهم غير آمنين يعانون من الجوع والبطالة والفقر.
وهل الأحداث من الممكن أن تؤثر على فئات بشكل أكبر منها على غيرها؟
- لاشك أن الفقير سيزداد فقرا والغنى سيزداد غنى طالما لا توجد عدالة اجتماعية وطالما مازلنا نفكر فى الوظائف والتمكين والانتخابات والدستور والشورى والشعب ولا نفكر فى الشعب نفسه.
والخوف الحقيقى أن تحدث ثورة جياع، لأنها ستكون مختلفة تماما عن الثورة السلمية، لا يوجد فيها أخلاق أو انتماء، اللى أقدر آخده هاخده واللى أموته أموته فلن تكون هناك أخلاق مع الفقر.
هل هناك عدد محدد للمرضى النفسيين؟
- العالم به أكثر من 500 مليون مريض نفسى محتاجين لعلاج ومن يعالج بشكل فعلى لا يزيد عن %20 وهناك حوالى 150 مليون واحد عندهم اكتئاب جسيم، وهنا لابد من التفرقة بين الزعل والحزن والأسى والقلق والاكتئاب لأن الاكتئاب مرض منفصل بذاته ليه ظروف معينة وعلاجه طبى بحت. تعداد المصابين بالاكتئاب فى العالم 150 مليونا إذا افترضنا أننا نمثل %1 من العالم يكون لدينا مليون و400 ألف مصاب بالاكتئاب.
القلق عادة والخوف والوسواس والهلع دول نفس النسبة يعنى إذا كان تعداد الشعب 90 مليونا من الممكن أن يكون ثلثهم مصابين بهذه الأمراض، لكن لابد من الإشارة إلى أنه ليس كل من يعانى من مرض نفسى يعالج.
لأن العلاج يتم فقط فى حالة أن يؤثر المرض على علاقاته فى العمل أو حياته أو يؤثر على عدد ساعات عمله يعنى نلجأ للعلاج فى حالة أن يتأثر بالمجتمع أو العمل لكن فى ناس مكتئبة مثلا وتعيش بشكل طبيعى.
مرض مثل الفصام نسبته فى جموع الشعب %1 يعنى نص مليون، وهناك أمراض مثل خرف الشيخوخة كلما زاد العمر بيزيد خرف الشيخوخة وخرف الزهايمر بيزيدوا يعنى فى سن 60 لـ65 بيكون نسبة الإصابة بهذه الأمراض %1، فوق الـ70 بتزداد نسبة الإصابة إلى %3 فى سن فوق 90 بيبقى حوالى %30.
ولكن لابد أيضا من الإشارة إلى شىء أكثر خطورة، هو أن هناك حوالى %10 من الشعب يجرب المواد المخدرة، المجربون حوالى %5.5 من جربها بالمناسبة %3.3، والمدمنون %5.1 يعنى حوالى 3/4 مليون مدمن وهذه نسبة ليست بالبسيطة. وأكثر إدمان هو الحشيش، وفقا لآخر بحث لوزارة الصحة، رقم واحد كان الترامادول %33 وتانى حاجة الحشيش %30 أخيرا الترامادول بقى 30 والحشيش 33، وهذه المشكلة أخطر من الأمراض النفسية لأن المدمن ممكن يرتكب حوادث تؤثر على المجتمع.