«السكرى».. طالما تناولته وسائل الإعلام بجدل كبير، تدور حوله كثير من التساؤلات، إلا أن إنتاجه الأكبر بين مناجم مصر بات الشىء الوحيد المؤكد. يقع منجم «السكرى» على بعد 20 كيلومترا غرب مدينة مرسى علم، تمتلكه شركة «سنتامين مصر» الأسترالية بقيادة الجيولوجى المصرى سامى الراجحى، على مساحة تبلغ 160 كيلومترا مربعا، ويعود اسم «السكرى» إلى جبل يسمى السكرى، وهو جبل ضخم، يقع ضمن المساحة التى حصلت عليها الشركة، ولم يعد لهذا الجبل وجود الآن، بعد أن استخلصت الشركة الذهب من صخوره بالكامل، ووصلت إلى منطقة أسفل القاع تحت سطح الأرض.
أنتج منجم السكرى أول سبيكة ذهب خالصة منتصف عام 2010، عقب 14 عاما من البحث والاستكشاف بحسب تصريحات مسئولى الشركة، بينما نصت الاتفاقية المبرمة بين هيئة الثروة المعدنية والشريك الأسترالى على تخلى الشركة عن 25% من مساحتها كل أربع سنوات من البحث دون إنتاج، وقد تخلت الشركة عن جميع المواقع مكتفية بجبل السكرى.
كباقى اتفاقيات مناجم الذهب المتبعة فى مصر، فإن الدولة تتقاسم مع الشركة أرباحها عقب استرداد الشركة لنفقات استثمارها فى المنجم، ومنذ بدء الشركة فى البحث عام 1994 لم يحدث ذلك.
وفى تصريحات سابقة للعميد عصمت الراجحى، المسئول عن المنجم شقيق عضو مجلس إدارة شركة «سنتامين مصر»، قال إن الشركة لم تسترد حتى الآن ما أنفقته على تجهيزات المنجم.
ضخامة التجهيزات والمعدات فى المنجم توحى بأن حجم الاستثمارات قد تجاوز المتفق عليه بمراحل؛ فالشركة تعتمد آليات ضخمة غير موجودة فى مصر، يتم استيرادها من البلد الأم للشركة وهى أستراليا، وهى معفاة من الجمارك، حجم المعدة الواحدة يفوق خمسة أمتار، عدد منها يحمل أطنانا من الصخور المحتوية على الذهب ويجوب أرجاء المنجم من موقع لآخر.
اعتمد منجم السكرى على طريقة تفجير الجبل للحصول على الصخور، التى يتم نقل أحجام ضخمة ومتوسطة منها عبر تلك العربات الضخمة، التى تحملها إلى منطقة وسط المنجم بها «سير ضخم» يحمل الصخور للمرحلة التالية؛ حيث يتم تفتيتها، بينما يعمل المنجم على مدار الأربع والعشرين ساعة دون توقف.
«رش السيانيد» هى الطريقة التى يتبعها مهندسو المنجم لاستخلاص الذهب من تلك الصخور، بينما يعمل بالمنجم أكثر من 5000 عامل مصرى، بينما يحتفظ الأجنبى بالوظائف العليا بالمنجم.
يقول أحد عمال المنجم، رفض ذكر اسمه: إن العمل بالداخل لا يتوقف دقيقة واحدة، ويقسم اليوم إلى فترتين على مدار 24 ساعة، يعمل الجميع دون توقف.
أكد العامل أن هناك تركيزات فى الذهب المستخلص من صخور الجبل وصلت إلى 99 جراما فى الطن الواحد وهى نسبة كبيرة جدا، قائلا: «لم نكن نتخيل أن إنتاجية المنجم ستصل فى يوم من الأيام إلى هذا الحد، كنا نحصل على 60 جراما فى طن الصخور الواحد واعتقدنا أنها نسبة عالية».
أضاف: «بدأت نسبة تركز الذهب فى الزيادة خلال الأسابيع الماضية، عقب تكثيف عمليات التنقيب عن المعدن تحت الأرض؛ فالمنجم يواصل استخلاص الذهب من صخور أسفل الأرض بأكثر من كيلومترين، مما زاد من عائد الذهب فى هذه المنطقة».
شائعات تهريب الذهب من المنجم أثارت العمال فنظموا احتجاجات للمطالبة بالرقابة
مشكلات عمال المنجم لم تنته مع فض إضرابهم أواخر عام 2011؛ فقد تواصلت تهديدات إدارة المنجم لهم بالفصل التعسفى، قال أحمد فتحى، مشرف تعدين سابق بالمنجم، إنه تم فصله تعسفيا من المنجم عقب الإضراب، واتهمته إدارة المنجم بتحريض العمال.
وأضاف «فتحى» أنه كان عضواً بنقابة العاملين بالمنجم وكانت النقابة تتولى حل المشكلات التى تنشب بين العمال والإدارة، وتابع: «انتشرت شائعات بصورة كبيرة عن كميات من الذهب يتم تهريبها من المنجم، ما أثار العمال، وقرروا القيام بوقفات احتجاجية داخل المنجم، للمطالبة بتشديد الرقابة على المنجم، وتحسين مستوى معيشتهم».
وقال: «حذرنا إدارة المنجم من عدم تسوية مشكلات العاملين، وأولاها تلك المادية، خاصة بعد الثورة، فقد كانوا يتقاضون مرتبات ضعيفة بالإضافة إلى الفارق الشاسع بين بدلات الانتقال التى يحصل عليها المصريون وتبلغ 60 جنيها والأجانب الذين كانوا يتقاضون أضعاف ذلك».
وأشار إلى أن إدارة المنجم قررت فصل جميع أعضاء النقابة بتهمة تحريض العمال على إيقاف وتعطيل العمل، مما تسبب للشركة بخسارة مادية تقدر بملايين الجنيهات.
وتابع: «حصلت على خطاب إعادة تعيين من وزير القوى العاملة السابق، وخطاب آخر من رئيس هيئة الثروة المعدنية، إلا أن إدارة المنجم رفضت إعادتنا إلى عملنا، ولم تعد للدولة هيبة أو سيادة على المنجم».
بينما أكد أحد عمال المنجم، الذين ما زالوا يعملون بداخله، وتحتفظ الجريدة باسمه وموقعه، أن إدارة المنجم اتجهت إلى فرض سرية كبيرة على مواقع العمل تحت الأرض، مشيرا إلى أن هناك عدة مناطق تحت الأرض يحظر على العمال المصريين الاقتراب منها، وهى مقصورة فقط على الأجانب من الدرجات الوظيفية العليا.
وأضاف العامل أن هناك منطقة داخل المنجم تخصص لما يعرف بـ«الويست» أو الفاقد، قائلا: «عبر سنوات من التنقيب، تكونت جبال من الصخور بعد عمليات استخلاص وإذابة الذهب منها، وبعد فصل المعدن عن تلك الصخور، حرصت إدارة المنجم على تراكمها فى تلك المنطقة التى أصبحت عبارة عن جبال».
أضاف: «تلك الجبال ليست مجرد صخور وأحجار؛ فهذه الصخور تحتوى على عدة معادن أخرى، لكن المنجم لا يستفيد منها؛ فالذهب لا يكون وحيدا فى الطبيعة، يلفه الكوارتز والنحاس والفضة وعدة معادن أخرى متباينة القيمة».
وعن تلك المعادن، قال: «هناك كميات كبيرة من الفضة فى تلك الصخور، بالإضافة إلى وجود كميات كبيرة من الرخام والكوارتز».
ويضيف: «علاوة على تلك المعادن، هناك مساحات كبيرة خصصها المنجم لما ينتجه من خردة أيضا؛ فالمعدات القديمة وتلك التى تحتاج إلى إصلاح خفيف أو سطحى، تقوم الإدارة بوضعها فى مخازن كبيرة، وتستورد غيرها، وتضيف تلك المصروفات إلى نفقاتها على المنجم».
ويستكمل حديثه قائلا: «هناك معدات ومحركات بأعداد كبيرة، منها ما يبلغ عمره سنتين أو حتى سنة، وهو صالح للاستخدام، وهناك أيضا محركات كبيرة وعربات نقل وغيرها تحتاج إلى صيانة خفيفة فقط، لا تقوم الإدارة بعناء تصليحها، بل تراكمها، وتستبدل بها أخرى جديدة، حتى أجهزة التليفزيون والتكييفات وتجهيزات سكن العمال داخل المنجم».
من المناطق المحرمة أيضا على عمال المنجم: غرفة الصب أو المعروفة باسم «جولد روم»، التى يتم فيها صهر الذهب وصبه لتكوين السبائك، وهى المرحلة الأخيرة قبل نقله وتصديره للخارج. ويتابع العامل: «لا يستطيع أحد دخول تلك الغرفة أو الخروج منها دون تصريح من إدارة المنجم، حتى مفتشو هيئة الثروة المعدنية لا يُسمح لهم بالدخول دون تصريح من الإدارة».